نقد وتحليل متى نصحو
تحليل قصيدة
## متى نصحو ؟ ##
للشاعر الكبير د.شفيق ربابعة ..
إن منهجية التحليل المقترحة ليست بالطبع الوحيدة في تحليل النص الشعري لكنها تمنح مزية الإستماع إلى لغة الشاعر .
وما يجب علينا علمه، أن الشاعر يستعمل لغة فريدة على مستويات التحليل اللغوي هي:
مستوى التحليل الصوتي، مستوى التحليل الصرفي، مستوى التحليل التركيبي، إضافة إلى مستوى رابع هو مستوى التحليل
الدلالي الذي ياخذ المساحة الكبرى من ثيمات القصيدة ، ومن الناحية العملية ذلك يعنى أن نقوم برصد كل المظاهر المتعلقة
بالصوت ، الوزن، الإيقاع و( شكل القافية أو نوعها)، الروي المستعمل وكل الأشكال الصوتية المتكررة
ومنها مثلا [ الروي الداخلي ]
أو بمعنى مطابق لما استعمله أبو العلاء في لزومياته أو ما كان في فن الموشحات حين نجد قافية أو رويا يعاد بين الصدر و
العجز في منتصف الشطر أو يكرر في عدة أبيات بعد ذلك، أو بكل بساطة كلمتان لهما نفس الإنتهاء الصوتي ...
بالطبع تحليلنا يبقى قاصرا دون ملاحظة الصور البلاغية و الجمالية للأسلوب الذي ينشيء به شاعرنا القصيدة
وهذه بعضها : التشبيه، المجاز، الكناية ، الطباق، التناص ، الإستعارة، ثم أنواع الإلتفات، وغيرها ...
الملاحظة الأولية:
عمليا يجري الناقد تحليلا على درجتين، الأولى تعتمد على ملاحظة اللغة عبر التكافؤات الأربع التي رأينا مع دراسة لنظام
الأسلوب في النص الشعري لقصيدة " متى نصحو " و الصور البلاغية فيها،ثم هناك تأويلا دلاليا للقصيدة من خلال ملاحظاتنا الأولى
للغة الشاعر الاكاديمي وتجربته ، فنحن إذن ننطلق من اللغة والتجربة لنصل في النهاية إلى معاني القصيدة وما يريد الشاعر شفيق
ربابعة من مبتغى واقعا ومرحلة ومستقبلاً ..
في قصيدة شمولية سقاما من عمق احاسيسه المرهفة وضمير شاعر عربي ، احتوت " خمسة وسبعون بيتاً " ظاهرة شعرية فريدة ،
اطلت علينا في النصف الأول من عام 2023م، نعرض منها ماتيسر في هذه العمالة التحليلية..:
القصيدة
" متى نصحو؟ "
متى نصحو متى نصحو؟ = لماذا أظلمَ الصُبْحُ؟
لماذا العٌرْبُ قد وَهَنوا =
وزادَ البؤسُ والقرْحُ؟
أرى الاقوامَ تقْتتِلُ =
كأنّ زئيرَهم نَبْحُ
بلادُ العُرْب أشْتاتٌ = ووحدتُهم هي الفَتْحُ
ففي السودانِ تقتيلٌ =
وكم قبرا به فتحوا؟
وزادوا الانقلابات =
متى التقتيل ينْكَبحُ؟
ليحيا الناس في رَغَدٍ =
على الإيمان نصْطَبِحُ
وفي ليبيا خِلافاتٌ =
ومنذُ سنينَ ما فَرِحوا
بشرقِ الأرض نمرودٌ =
مُناهُ الغربُ ينذبِحُ
وفي تونس مُعاناةٌ =
وأنظِمَةٌ بها تَرَحُ
فعاشَ الشعبُ في كبتٍ = وفيها السعدَ ما لَمَحوا
وأهلُ الشامِ في ضَنَكٍ =
فكم مليونُ قد نَزَحوا
مُلالي رافقوا روساً =
وحلّوا فيه وانفَتحوا
وكم نُزلاءُ صدْنايا =
به الآلافُ قد ذُبِحوا
وفي بغدادَ أحزابٌ =
وأشياعٌ وما بَرِحوا
بلاد الرافدينِ غدتْ =
لهم نُزُلاً بها شَطَحوا
فخافَ الناسُ وارتَعَبوا = وساء الحالُ والمرَحُ
وفي الصومال مذبحةٌ = وقرقعةٌ وما رَبِحوا
وعاشوا في نزاعاتٍ =
وطول العُمْرِ ما فرِحوا
وفي الأردنّ صيحاتٌ =
به الإفسادُ مُنْشَرِحُ
وعاش الناسُ مخمَصَةً = وغاب العدلُ والمِنَحُ
به الأحزابُ خمسون = وأنظمةً لها قَدَحوا
خليجٌ صار خُلْجاناً =
وليس لبعضِهم فُسَحُ
وصار الصفُّ مُختَرَقاً =
وشحّ النفطُ والبلحُ
فلا آمالُ في أُفُقٍ =
ولا توحيدَ قد طَرَحوا
ومُرسي ماتَ مسجوناً = خيارَ الشعب قد كَبَحوا
ومرّاكشْ بها نأيٌ =
معَ الجيران ما اصطَلَحوا
جزائرُ كنتُ أحسَبُها =
لِلمّ الشملِ تنْجَنِحُ
تُنادي مصرَ في عَجَلٍ =
ليأتي نحونا الفَرَحُ
متى يا عُرْبُ تتّحدوا؟ =
متى الآمالُ تتّضِحُ؟
متى للقدس عودتنا؟ =
ولمّ الشمل أقترحُ
أهلْ للقدس منزلةٌ =
بذهن العُرْبِ تتّشِحُ؟
أم الأعراب لا تدري =
بأنّ القدسَ تنتشحُ
يهودٌ دنّسوا الأقصى =
لهم أعرابُنا سَبَحوا
فبعضٌ طبّعوا عَلَناً =
ومنهم صار يمْتدحُ
متى نصحو ونفتكرُ =
بأنّ البعضَ قد فُضِحوا
أفيدوني متى نصحو؟ =
فإنّ مُصابَنا ردْحُ
وأمة يَعرُبٍ أمستْ =
بذيلِ الكون تنسَرِحُ
إله الكونِ آزرْنا =
فآنّ الذلّ متّضِحُ
ووحّدْ شملَ أمّتنا =
فنصركَ دائماً فَرَحُ .
في مقتبس هذه القصيدة ،
يؤكد لنا الشاعر د.شفيق ربابعة ..أن الانتصار إرادة وجهاد ، لا يثبت في ميدانها إلا القوي والصبور ، كما أن الريح تهب في قوة
ولا ترتد عند الوعورة وركوب الأخطار وتسلق القمم ، كذلك يجب على الإنسان العربي أن يكون جريئاً ، صامدا في وجه الشدائد ،
طموحا إلى العلا ، لأن الأرض نفسها تكره الجبناء المتراخين عن طلّب القمم ، فما بالك بالذين يرضون بالتفرق وبالذل ومحاباة الظالم ..!
تلك هي الحال العربي والتي ساقها الشاعر الكبير د.شفيق ربابعة في إحدى أشهر وأحدث قصائده المنادية بالحرية والثورة على
التجزئة وعلى الواقع الموبوء بالفتن.
قصيدة " متى نصحو " هي لشاعر أردني عروبي نذر قلمه للحق العربي فتراه كالشمعة ، تنير لغيرها وتحترق هي بالنار من
الداخل كبركان.
وللاطلاع على سيرتة سنخصص موضوعا مفصلا وممتعا ،وقصيدته التي بين أيدينا هي إشعاع ينبه لعقول
والتفكير في المأمول ..
القصيدة هي من البحر الهزج ، وهو بحر يصلح للسرد والتعبير عن الافكار والعواطف الوجدانية الجياشة ، وهذا ظاهر وجلي في
أبيات القصيدة .. التي
يظهر فيها الشاعر حكيما يخاطب العقول ويصغي لهمسات روحه المشبعة بالتراث والقيم ، بالدعوة والتساؤل إلى الأمل والتفاؤل
والسعي إلى استعادة أمجاد الأمة ، فلعب في هذه القصيدة دور الطبيب المشخص للداء وفي الوقت نفسه وصف العلاج والدواء
بالمكاشفة ، وهذا أسلوب وجداني عاطفي يلامس القلوب والعقول معاً ...
ونرى في قصيدة( متى نصحو) يحدث صراع داخلي بين أنا الشاعر وهواجسه ، فلطالما حلم بحياة عربية كريمة تقوم على الحرية
والعدل والكرامة في الوطن العربي ، فقد أوجز بقلمه المخاطر والكوابيس والآلام الشديدة ، التي يعاني منها واقع الإنسان العربي في
اقطاره ، مما زاد تساؤل الشاعر الذي أحاطه بهالة من التشاؤم والصراخ على الورق من خلال المفردة الشعرية .. لذا نراه يكثر من
أسلوب الاستفهام ، وكأني به يربط الماضي بحاضر مجهول ومستقبل أكثر منه غموضا وعبر عنه الشاعر بكلمة ( متى ). وهي
عنوان وجرس واضح لعنونة القصيدة .و سؤال يعبر عن إرادة حياة نابعة من أعماق الشاعر وتجلياته ..
فلا بد وأنت تستشرف هذه الأبيات الرائعة ، تلامس الشوق الشديد للشاعر وحنينه لأمجاد امته وشعبه العربي ، والأبيات التي بين أيدينا
توضح ذلك وبقوة ، فبالرغم من صراع التشاؤم والأمل ، الشك واليقين ، إلا أنه متأكد أن الأصل دائما ينتصر ويعلو ، لأن تاريخ
العرب راسخ وضارب في الأصالة والقدم ، و لن تستطيع يد الخبث أن تئده في ليلة عاتمة :
"متى نصحو متى نصحو؟ =
لماذا أظلمَ الصُبْحُ؟
لماذا العٌرْبُ قد وَهَنوا =
وزادَ البؤسُ والقرْحُ؟
أرى الاقوامَ تقْتتِلُ =
كأنّ زئيرَهم نَبْحُ
بلادُ العُرْب أشْتاتٌ = ووحدتُهم هي الفَتْحُ "
ولأن أي سبات عميق تعقبه يقظة ونهوض ، وأي جمود وركون تعقبه حركة ونشاط ، فإن الشاعر رسم كلمة ( أشتات) لأنه ينتظر
النقيض باليقظة الكبرى والتي آثر أن يصيغها في عجز ( وحدتهم هي الفتحٌ ) ، لأن القضية قضية وطن كبير بأكمله ، والجمع عصا
لا تكسر ، والوحدة قوة لا تقهر ، وعليها يخيب كيد الكائدين .
كما لجأ الشاعر في قصيدته إلى أسلوب التضاد لتصوير مدى الإضطراب الذي تعانيه النفس العربية فيما يعتريها من أهوال وخطوب ،
وهذا ظاهر في ألفاظه : ( تنمو – كبت ) ، ( الحياة – التقتيل ) ، ( الزئير – ألنبح ) ، ( الفرح – البؤس ) .
والسؤال الأهم كيف عبر د.شفيق بالصورة الشعرية عن واقع / يومه العربي ؟!! بحيث أراد نقله الى المراجع والمصادر والمواقع
الأدبية المتخصصة، ليس من ناحية العروض ، ولكن المضمون والمعنى في الآنتقالات الميدانية الجغرافية بالصورة الشعرية.
ومن هذا المنطلق، يتّضح أن د..ربابعة في هذه القصيدة و بلسان الإنسان العربي، يهدف إلى التعبير عن شخصية الأمّة و تاريخها
و واقعها ويوحي إلى تطلّعاتها. فلقد كان لأمّة العرب حضورٌ في ما كان من الزمان على إمتداد واسعة الأرجاء تجلّى حضورها
على الارض عدلاً ومؤسسات و لغة و ثقافةً، و ديناً و منشآت، و تراثاً عربياً غنياً بالفكر والأدب و الفن
والعلوم، و حضارة إنسانية شامخة ،على مدى آفاق شاسعة من تاريخ الأمة العربية و قضاياها وجوهر وجودها ماضياً و حاضراً
و مستقبلاً و كان مفتاحه حيرة إستبدلت به أمام إسم الجهاد والنضال المنقوش على صرح الصمود " القدس"بوصلة تحرير الأمة من
مغتصبي ارضها ..
وقد لا تكوّن قصيدة شفيق ربابعة من بين أهم قصائده دلالة و قيمة. لكنّها في جميع الأحوال قصيدة مميزة تشكّل علامة فارقة في
مسيرته الإبداعية نظراً لما إتّسمت به من بناء متوازن ومتماسك الى حدّ بعيد، رغم طول ابياتها ،ومن إرتياد لطرق في التعبير و
محاولة تجديد في الإيقاع، لا تخلو من جرأة و مغامرة ـ هي تتناول واقع الدول العربية من أجل توحيد كلمتهم وتحرّرهم و نهضتهم،
معبّرة عن الإلتزام السياسي القومي في مسيرة الشاعر الفكرية والإبداعية، وبنيان ذلك أنّ قصيدة « متى نصحو» في نطاق الإلتزام
بالشعر العمودي، وحبرها لم ينشف ونحن في عام ٢٠٢٣ وفيها توضيح المعاناة ، ووضع النقاط على الحروف ، لما فيها من تجاوب
حي عميق بين الشاعر والإنسان ، فضلاً عن تجاوبه مع الفكر القومي العربي الخالص، و سيكولوجية الإنسان العربي وشعاراته
المطروحة التي أخذت تنتشر في الأقطار العربية المختلفة، و مع التراث العربي و الأمجاد العربية و تاريخ العرب القومي
و الحضاري ، ولما له من ردود افعال إزاء ما يمر به الأفق العربي ، الذي كان "خير أمة أخرجت للناس "، ويرى اسمه منقوش على
صخرة آجر فوق قبر، فكيف يحسّ إنسان يرى قبره؟يراه و إنه ليحار فيه ..أحي هو أم ميّت؟ فما يكفيه أن يرى ظلاله على معفّرة
بمئذنة ترّدد فوقها إسمُ اللهو خط اسمٌ له فيها من هذا المطلع، و كأنه في غمرة هذا الإرتياب، يريد أن يطرح السؤال الجوهري على
أمّته من خلال ذاته: "متى يا عُرْبُ تتّحدوا؟ " و بالتالي لأمته ظلّ وجود، و إنّما هو يريد له و لها وجوداً حقيقياً حياً فاعلاً،،،، فينشد
حرفه :
خليجٌ صار خُلْجاناً =
وليس لبعضِهم فُسَحُ
وصار الصفُّ مُختَرَقاً =
وشحّ النفطُ والبلحُ
فلا آمالُ في أُفُقٍ =
ولا توحيدَ قد طَرَحوا
نعم واقع أمسى تأكل الغبراء والنيّران من معنا ويركله الغزاة وتنزف منه الجراحٌ ..
قصيدة " متى نصحو " ثورة دائمة في سبيل الحق و الكرامة والقيم الانسانية العليا ..
فكيف إذن يمكن تغيير الواقع؟ يمكن أن نجيب على هذا السؤال ؛ بأنّ الثورة على الواقع الضحل معجزة، لأنّ حدوثها لا يمكن
أن يتمّ على أيدي الموتى. لكنّ هذا يقود الشاعر إلى طلب خلاصه
( متى نصحو ؟)..!!
النكبة العربية في فلسطين ليست وليدة مصادفة، و إنما هي وليدة قحط عام، حل ببلاد العرب طوال قرون متعددة. قحط حضاري إستبد
بمعظم أوطانهم،
فباتوا يتخبّطون في ظلمة الإنحطاط، و قد قلّ الخير في أرضهم كأنّما إحرقتها أسراب الجراد ، مشيرا في قصيدته " وشحّ النفطُ
والبلحُ" تعبيرا مجازيا لأن خيرات الأمة ليست بيدي أبنائها النجب.
وفي ختام قصيدته يعود ويكرر الحقيقة التي لا تحجبها أي شمس ( متى الفرحُ ) ، وهي أن أساس مجد أي شعب وأمة، وطبيعة
تقدمها ، هي إرادة قوية هي توحد المواقف بفرحة غامرة .. مذكراً وبصراحة:
يهودٌ دنّسوا الأقصى =
لهم أعرابُنا سَبَحوا
فبعضٌ طبّعوا عَلَناً =
ومنهم صار يمْتدحُ
متى نصحو ونفتكرُ =
بأنّ البعضَ قد فُضِحوا
أفيدوني متى نصحو؟ =
فإنّ مُصابَنا ردْحُ
وأمة يَعرُبٍ أمستْ =
بذيلِ الكون تنسَرِحُ
لهذا على القاريء أن يتمعن في قراءة نص القصيدة أكثر من مرة بدقة لفهم كافة كلماتها ولإتضاح المعاني الغامضة الموجودة
فيها، وصولاً إلى هدف الشاعر من كتابة القصيدة ، ولقد قمنا بشرح للأبيات ، مع انتقالات شيقى في دراسة الصور البيانية
والاستعارات والأساليب الخبرية والمحسنات البديعية التي تناولها الشاعر في القصيدة والذي ساعدنا في التحليل
كنت سعيدا بالتجهيز التحليلي لعطاء الشاعر الملهم شفيق ربابعة ، ولما لهذه القصيدة من أثر كبير شعرا وموضوعا ومعنى ..
وبنهاية التحليل للقصيدة ، فقد حاولت جاهدا تسليط الضوء على جميع النقاط إلا أنها بحر لا يمكن إدراكه ، مثلما يبحر كاتبها.
وبذلك وصلنا بتحليل قصيدة " متى نصحو" لما لها من أهمية كبيرة في الفترة الراهنة.
والحمد لله الذي لولاه لما جرى القلم والفكر ، والصلاة على الرسول محمد خير خلق الله صلى الله عليه واله وسلم، كان أفصح
الناس لسانا وأوضحهم بيانا، وتحياتي الخالصة إلى الشاعر د.شفيق ربابعة الذي نلتقي به وبقصائده على الخير والمحبة.
الناقد د.عباس الجبوري