لا شك أن "كل بلاد على أهلها شام" كما يقول المثل العامي... 

و "كل فتاة بأبيها معجبة" كما يقول المثل العربي الفصيح...

وحب الوطن من الإيمان كما علّمَنا رسولنا الكريم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم...

والوفاء للموطِن واجب و "مسقط الراس غالي" كما يقال...

وقد أبدع د.شفيق في ذلك كله وحلّق وتفنن عبر تصويره الصادق لبلدته الطيبة "جديتا" بشعر يقطر حُبًّا وشوقا وحنينا ووفاء... وهو وإن ابتعد عنها جسدا فهي حاضرة في وجدانه ماضيا وحاضرا وحضارة  وتاريخا وعراقة إذ عرض لنا لوحة معبِّرة وملونة لبلدته وأهلها بألوان زاهية من زوايا جميلة متعددة  واستحضر ماضيها التليد وبسط حاضرها المجيد بصدق وواقعية لاسيما حينما عرض لعادات الناس سابقا في "جديتا" وغيرها من سلوكات اجتماعية ما عاد بعضها مقبولا لكنها كانت سمة "الرجولة" و "الشجاعة" آنذاك وربما كان للفقر والجهل والعوز والحاجة للأمن والحماية دور في قبول هذه السلوكات سابقا مع إنكار الإسلام لها وتحريمه إياها...

وكان المكان والإنسان حاضرَيْن بقوة في قصيدة الشاعر وبأدق التفاصيل مما ينم عن ثقافة الشاعر ومعرفته وإحاطته بما يخص البلاد وأهلها.

وكان للخيال دور بارز في التجسيد والتشخيص وإن جمح به خياله وشط أحيانا إلى المبالغة لكنها مبالغة مقبولة والشعر شعور كما يقول شاعر النهضة محمود سامي البارودي : 

ما الشعر إلا شعوري جئت أعرضه //

       فانْقُدْه نقدا خفيفا غيرَ ذي دَخَل

كما أن الشعر فن أدبي راقٍ بل هو أرقى فنون الأدب  الذي ينبني أساسا على العاطفة والخيال فيٌعَرَّف على أنه "تعبير صادق جميل عن انفعال الإنسان بالكون من حوله" ولا يتأتى هذا الجمال إلا من الخيال أولا الذي يولِّد الإبداع.

وإذا كان الرسام يبدع بريشته والمصوِّر يبدع ب "كاميرته" بقدر مايتخير المشهد الذي يريد ويضفي عليه بأدواته جمالا يجعله جمال النسخة الأصلية "المشهد الطبيعي" الذي نقله لنا فمن باب أولى أن يُعْمِل الشاعر مخيلته ويأتي بالمعنى مصوَّرا كما يراه لا كما هو في النسخة الأصل  فقط ...

ولا يغيب عن بالنا كذلك أن الصدق في الأدب بعامة وفي الشعر بخاصة لا يعني الصدق الواقعي ونقل المعنى أو الفكرة إلينا نقلا فوتوغرافيا جامدا بل مطبوعا بالتجربة الشعورية للمبدِع نفسه فالصدق الذي نتحدث عنه هنا هو صدق التجربة الشعورية للشاعر لا الصدق الواقعي ومن هنا ندرك معنى "الكذب" في قول البحتري الشاعر الوصّاف العظيم:

 "إذْ أَعْذَب الشعر أَكْذَبُه"...

وصدق الفاروق رضي الله عنه ف "الشعر ديوان العرب" وهو سجل بشعور وإحساس للوقائع والأحداث وهو أحد مصادر المعرفة البشرية الأساسية...

ويبقى أن نقول إن الشاعر قدم فكرته ومعناه العامَّيْن "وصف الطبيعة" بثوب بسيط لكنه جميل فأسلوبه سهل ومفرداته مفهومة ومعناه قريب دون ابتذال على ما فيه من بعض التجاوزات والهَنات اللغوية البسيطة التي يمكن تخريج بعضها على ضرورات الشعر...

وهذا وذاك لا ينقص من قدر القصيدة وقيمتها.

حفظ الله جديتا الجميلة وأهلها الطيبين.

د. جميل بني عطا